بقلم الأديبة الأرجنتينية: ايزابيل اللندي
ترجمها عن الانكليزية : محمد شلاكة
معلمة المدرسة أنيس دخلت الى محل لؤلؤة الشرق في تلك الساعة لم يكن احدا بداخله فمشت الى المنضدة المقابلة حيث رياض حلبي منشغلا بطي قماشة من الورد اللماع لتخبره بانها قطعت رأس احد الزائرين في النزل الذي تملكه أخرج التاجر منديله واضعا اياه فوق فمه مندهشا .
"ماذا قلت يا أنيس"
"بالضبط ما سمعته يا ترك"
"هل مات حقا"
"بالتأكيد"
"والان ماذا ستفعلين"
"لهذا جئت اليك كي أستشيرك"كلمته وهي تحاول تثبيت شعرها.
تنهد رياض حلبي ثم قال "أعتقد ان من المستحسن ان اغلق الدكان"
عرف الاثنين احدهما الآخر منذ مدة طويلة لدرجة انهم لايستطيعون تذكر العدد الفعلي للسنوات رغم انهم يستطيعون تذكر كل التفاصيل الدقيقة ليومهم الاول في الصداقة في ذلك الوقت حلبي كان واحدا من اولئك التجار الذين يدهشك بطرقه الكثيرة كي يبيعك سلعة ما تاجر هاجر بدون بوصلة او اي هدف معين مهاجر عربي بجواز سفر تركي مزور وحيدا وحزينا ورغبتة الشديدة للجلوس في الظل . كانت لاتزال شابة بوركين جميلين وكتفين يزهوان بالفخر المعلمة الوحيدة في البلدة وام لولد بعمر الثانية عشرة وّلد نتيجة علاقة غرام عابرة. كان الصبي مركز حياتها تهتم به بأخلاص وتفان ثابتين وبصعوبة جمة تحاول اخفاء دلالها ففي المدرسة تعامله بشكل اعتيادي وبنظام صارم فرضته على كل التلاميذ. كي لا يقال لها بانها تعامله بشكل مختلف وفي ذات الوقت تأمل من معاملتها له ان لا يكون عنيدا ومتمردا كأبيه بل تفضل ان يكون ذو عقل راجح وقلب رحيم. وفي ذلك المساء الذي امتلك خصوصيته قاد رياض حلبي سيارته الى البلدة "أوكواسانتا"فشاهد في الجهة الاخرى من الشارع مجموعة من الاولاد وهم يحملون ابن معلمة البلدة على نقالة هم صنعوها. لقد دخل الى احد المنازل كي يجمع ثمار المانكو.غير ان مالك الدارالذي لا يعرفة احد معرفة حقيقيه اطلق رصاصة من بندقيته كي يخيف الفتى ليس الا لكنها صنعت فتحة سوداء بجبينه خرجت روحه منها. في تلك اللحظة اكتشف التاجر موهبته في ان يكون قائدا وبدون سابق انذار وجد نفسه وسط كثير من الاشياء فتارة يواسي الام واخرى يحاول ترتيب العزاء كانه فردا من العائلة او يهدأ من جماح الناس الذين أرادوا تقطيع المجرم جزاء فعلته في تلك الاثناء أكتشف المجرم بان حيلته لن تساوي شيئا ان هو بقى هناك لهذا قرر الهرب دون رجعة.
صباح اليوم التالي قاد رياض حلبي جمعا من الناس من المقبرة حتى المكان الذي سقط فيه الفتى كل ابناء بلدة"اكواسانتا"أولائك الذين قضوا يومهم كله وهم يجمعون المانكوالذي رموه من خلال نوافذ المنزل الا ان امتلأ من الارضية حتى السقف. بعد اسابيع قليلة وبفعل الشمس الحارة تخمرت تلك الفاكهة الذي ادى الى انفلاقها فارزة عصارة لزجة خضبت الجدران بلون الدم المذهب بالالتماعات ذلك الصديد الحلو احال لون البيت الى هيئة كالحة كانه من العصور الحجرية القديمة او شبيها ببهيمة فاطسة في طريقها الى التعفن.
موت الصبي وما فعله رياض حلبي في تلك الايام وذلك الترحيب الذي ناله في "أوكواسانتا" حدد مصيره وما تبقى من حياته .فقرر البقاء في البلدة ناسيا بأنه من أصل سلالة تعشق الترحال. ففتتح متجره لؤلؤة الشرق ثم تزوج واصبح ارملا وتزوج ثانية وبقى مستمرا على تجارته بينما سمعته الحسنة كرجل شهم في ازدياد. كي تعيد انيس الجميل الى اهالي البلدة فقد خرجت على يديها الكثير من الاجيال مع عاطفة قوية وهبتها لهم عرفانا لذكرى ابنها الى ان استنفذت كل طاقاتها فتنحت جانبا للمعلمين الذين وصلوا من المدينة بمناهجهم الجديدة ثم تقاعدت. بعد تركها قاعات الدرس شعرت بتقادم السنوات بشكل مذهل يغلفهن الحزن فالايام تمر بسرعة لدرجة لا تستطيع ان تتذكر اين ذهبت كل تلك الساعات .
"ادور على نفسي في حالة ذهول انا ميتة غير اني لم اعرف هذا بذلك ايها التركي"
"انيس انك بصحة جيدة وكما عهدتك" المشكلة انك ضجرة لهذا يجب ان لا تبقي كسولة لهذا اقترح رياض حلبي ان هي اضافت بعض الحجرات لبيتها كي تؤجرهن لاننا لا نملك فندقا في البلدة.
"ونحن لا نملك السياح ايضا"
"فراش نظيف ووجبة افطار دافئة سيكون نعمة للمسافرين"
قرروا فعل ذلك فامسى المكان مفضلا لسواق الشاحنات وعمال شركة النفط الوطنية اؤلئك الذين يقضون الليل في النزل كي يرتاحوا من عناء السفر وضجر الطريق الذي يملا رؤوسهم بما يشبه الهذيانات.
أنيس معلمة المدرسة كانت اكثر الناس أحتراما وتقديرا في كل "أوكوسانتا" فقد علمت اطفال القرية لعقود كثيرة مما منحها الصلاحية في التدخل في حياتهم الخاصة حتى انها تشد اذانهم اذا شعرت بأن ذلك يساعد في تقويمهم . اما البنات فيجلبن احبابهن اليها كي توافق عليهم بينما الازواج والزوجات ياتون اليها محملين بمشاكلهم المنزلية كانت ترشدهم اوتتوسط بينهم كذلك تقضي بكل مشاكل تلك المدينة الصغيرة.في الحقيقة صلاحيتها كانت اوسع من صلاحيات القس والطبيب وحتى الشرطة لا احد يستطيع ايقافها او ايقاف ممارستها لتلك السلطة. ففي احدى االحوادث تلك دخلت الى سجن البلدة مارة بالملازم دون ان تتفوه بكلمة واحدة منتزعة المفاتيح من مسمار الحائط واخرجت من الزنزانة احد تلامذتها الذي قبض عليه سكرانا. حاول الضابط ان يقف في طريقها غير انها دفعته الى الجانب واخذت الصبي خارجا ماسكة اياه من ياقته وعندما اصبحت في الشارع صفعته مرتين وحذرته اذا ما اعادها مرة اخرى فستخلع بنطاله وتشبعه ضربا لن ينساه ابدا. اليوم الذي اتت فيه انيس الى رياض حلبي كي تخبره بانها قتلت احد النزلاء لم يشك للحظة واحده بانها كانت جادة بما تقول لانه يعرفها جيدا . أخذ بذراعها ثم مشى معها مسافة شارعين يفصلان لؤلؤة الشرق عن بيتها الذي كان واحدا من اقدم البنايات في البلدة بني من الطين والخشب مع شرفة عريضة حيث علقوا ارجوحة للحظات القيلولة وزودوا كل غرف بمروحة سقفية في تلك الساعة يكون البيت شبه خالي فقط زائر وحيد جلس في قاعة الاستقبال محتسيا البيرة ومندهشا لما يعرضه التلفاز .
همس لها التاجر العربي "اين هو"
اجابته دون ان تخفض صوتها"في احدى الغرف الخلفية"
اخذته الى صف من الغرف التي تؤجرهن –كلهن يتمتعن برواق يتالق بضوء الصباح البنفسجي الذي انزلق على الاعمدة بينما نباتات السرخس علقت بالعوارض- يحدهن فناء زرع باشجار الموز واشجار المشملة. فتحت انيس اخر باب ثم دخل رياض حلبي الى الغرفة نوافذها مغلقة يظلله فيْ عميق مرت لحظات بعدها وفوق السرير رأى رجل طاعن في السن وذو سحنة مسالمة شيخا غريبا يسبح في بركة صغيرة من الموت اما بنطاله فلطخ بالبراز بينما رأسه
تعلق بجلده الشاحب ميوشحا بمحنة رهيبة كانه يعتذر لكل ذلك القلق والدم وذلك الارباك الغيرطبيعي كانه يلوم نفسة لانه سمح لها ان تموت لك تلك الاشياء واضحة عليه.جلس رياض حلبي فوق الكرسي اليتيم في الغرفة محدقا في الارض ومحاولا السيطرة على ما يحدث داخل امعائه . اما انيس فبقيت واقفة ويديها متصالبة على صدرها تحاول تقدير عدد الايام التي تحتاجها لتنضيف الغرفة وازالةلرائحة الموت والخوف من الغرفة.
"كيف فعلت هذا" سألها رياض حلبي وهو يمسح العرق من جبينه .
"بالمدية التي أحصد بها جوز الهند". لقد اتيت من وراءه ثم هويت على راسه بضربة مفاجتة واحده لم يعرف ما الذي اصابه ذلك الرجل المسكين.
"لماذا"
"كان يجب ان اقوم بذلك الفعل انه القدر هذا الرجل المسن لم يكن محظوظا بما فيه الكفاية امتلك حظا سيئا جدا.لم يرغب ان يتوقف في اكوسانتا لقد كان مارا بالبلدة حينا ضربت حصوة زجاج نافذته اتى الى هنا كي يقضي ساعات معدودة بينما الايطالي الذي يعمل في الكراج يحاول ان يجد له زجاجة اخرى. لقد تغير كثيرا –كلنا كبرنا حسب ما اظن- غير اني عرفته بسرعة كنت انتظره كل تلك السنوات وكنت اهجس بانه سيعود الان او فيما بعد.انه رجل المانكوز"
" احفظنا يا الله" تمتم رياض حلبي بلغته العربية.
لماذا قلت ذلك هذا الامر لن يكون ابدا"
"انا المحقة فقد قتل ابني"
أنيس ان الملازم لن يفهم ذلك"
"العين بالعين والسن بالسن.يا ترك. اليس هذا ما تعلمناه من الدين"
ولكن القانون لايعمل بهذه الصورة يا انيس"
"حسنا نستطيع ان نرتب الامور هنا ونقول بانه انتحر"
"اياك ان تلمسي الجثة كم من الزوار لديكفي النزل"
فقط سائق الشاحنة سيكون في طريقه الى العاصمة عندما يبرد الجو قليلا"
"حسنا لاتستقبلي اي زائر جديد أقفلي باب الغرفة وانتظريني ساعود هذه الليلة"
"ماذا ستفعل"
"دعيني وشاني ساهتم بهذا الموضوع بطريقتي الخاصة"
احتفظوا به الجيران الجيدين وكل واحد منهم حفظه بتصميم مطلق , حتى موت مدرسة البلدة. والان استطيع ان اسرد لكم الحكاية
هذا اول جزء قريبا الجزء الثانى