ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم : (
إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان أسلفها و محيت عنه كل
سيئة كان أزلفها ثم كان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها )، أخرجه مالك والنسائي عن أبي سعيد وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومن ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن
الله تعالى كتب الحسنات و السيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها
كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى
عنده عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة و إن هم بسيئة فلم
يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى
سيئة واحدة و لا يهلك على الله إلا هالك) متفق عليه من حديث ابن عباس
ومن ذلك:
مضاعفة أجور بعض الأعمال الصالحة بحيث لا تقاومها السيئات؛ مثل قوله صلى
الله عليه وسلم في حديث البطاقة: (يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس
الخلائق فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله تبارك و
تعالى : هل تنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب فيقول: أظلمك كتبتي
الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ثم يقول : ألك عذر، ألك حسنة ؟ فيهاب الرجل
فيقول : لا فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج
له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده ورسوله فيقول: يا
رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في
كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة ) رواه ابن ماجة
والحاكم عن ابن عمرو وصححه الألباني في صحيح الجامع
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : (من قرأ ،قل هو الله أحد، عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة ) أخرجه احمد وصححه الألباني في صحيح الجامع
وغير ذلك
ومن حكمة الله في الابتلاء :
أن جعل كل بني
ادم خطاءين ولم يعصم منهم إلا الأنبياء من اجل تبليغ الرسالة ، وذلك ليعلم
من يستحق الإكرام فيكرمه ومن يستحق العقاب فيعاقبه، فأما المكرمين، فأنهم
كلما عملوا ذنبا أحدثوا استغفارا وتوبة أو عملوا من الحسنات ما تمحي
ذنوبهم ، فتخف بذلك كفة سيئاتهم وترجح كفة حسناتهم، وأما الغافلين، فإنهم
لم يتعرفوا على هذه المعادلة أصلا، ولم يحسبوا حسابها ، فقال عنهم: (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) ، وقال عنهم: ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا)
خطوات عملية:
وبناء على ذلك
فعلى كل من يريد النجاة والفوز برضوان الله والجنة وتجنب سخط الله والنار،
عليه أن يضع نصب عينيه ثلاثة أهداف أساسية، تكفيه إن شاء الله تعالى من
الأعمال الصالحة وتكون بمثابة البرنامج العملي لمحاسبة النفس ، وهي:
الهدف الاول: الترجيح الدائم لكفة الحسنات
الهدف الثاني: المحافظة على الحسنات المكتسبة
الهدف الثالث: التفريغ الدائم لكفة السيئات
ومن وسائل تحقيق الهدف الأول:
1- اغتنام كل الأعمال الصالحة و الحذر من استكثارها
2- تحري أقلها عملا وأكثرها أجرا مثل ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم ) ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : (من
سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد الله ثلاثا و ثلاثين و كبر
الله ثلاثا و ثلاثين فتلك تسع و تسعون و قال تمام المائة : لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير غفرت
خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر ) رواه مسلم ، ومثل قوله تعالى: ((
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا))الفرقان 70
3- نسيان الحسنات
وتعويد النفس عدم ذكرها فإنها ربما دخل عليه الشيطان بكثرة ذكرها حتى
يوقعه في العجب الذي قد يؤدي إلى الرياء، واحتساب الأمر عند الله تعالى،
فطالما ظن أن الله كتبها فلا يضره بعد ذلك ذكرها للناس.
4- الاستعانة بالله
تعالى وعدم الركون إلى العمل وحده وطلب التوفيق منه وانه لا حول له ولا
قوة إلا بالله ، وتذكر أنه لو شاء الله ما وفقه ولا شرح صدره ولو شاء ما
فقهه في الدين، وتذكر أن العمل يعتمد عليه في كونه سببا لرحمة الله تعالى.
5- الثبات حتى
الممات وسلوك السبيل التي تؤدي إلى ذلك من مجالسة العلماء والصالحين
والمحافظة على صلاة الجماعة ولزوم المساجد وحلقات الذكر وطلب العلم الشرعي
بحسب ما يتيسر وكثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك.
من وسائل تحقيق الهدف الثاني:
1- البعد عن كل
ما يحبط الأعمال الصالحة مثل الشرك والرياء والردة وارتكاب نواقض الإسلام،
فان ذلك مما يحبط الأعمال الصالحة، فكم يريد المرء من الوقت ومن العمل
ليستعيد بعض ما أحبط منها.
2- المحافظة على
الحسنات المكتسبة ، والتي قضى عمره في تحصيلها حتى يثقل ميزانه بها ،
فيحذر من الغيبة والنميمة وظلم الناس وشتمهم والوقوع في أعراضهم، فان ذلك
يجعلهم يوم القيامة يأخذون من حسناته بقدر مظالمهم، فإذا نفدت حسناته اخذ
من سيئاتهم فوضعت على سيئاته فوضع في النار، فيحدث أن تفرغ كفة حسناته
وتملأ كفة سيئاته.
3- الاستغفار
للمؤمنين، وخاصة من يكثر منه الوقوع في أعراضهم ، وذلك أملا في أن يعوضهم
بدلا عن الحسنات التي يأخذونها منه يوم القيامة، فيكون ذلك بمثابة من
يفتدي نفسه بهذا الاستغفار.
من وسائل تحقيق الهدف الثالث:
1- كثرة التوبة والاستغفار عملا بالأدلة الكثيرة التي توصي بالإكثار من ذلك، فان أثره كبير في تخفيف كفة السيئات وتثقيل كفة الحسنات.
2- تعويد النفس انه كلما أذنب ذنبا، اتبعه بعمل صالح، من صلاة و صيام أو صدقة أو ذكر لله تعالى أو غير ذلك، عملا بقوله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ،ذلك ذكرى للذاكرين) هود 114
3- الندم على الخطيئة وتعظيمها ودوام تذكرها والحياء من الله على جرأته عليه، فان ذلك يورثه ذلا لله تعالى وتواضعا لخلقه.
4- تذكر السيئات
وعدم نسيانها فلعله بكثرة تذكرها، يحدث منها توبة كلما ذكرها وأورثه ذلك
ذلا وانكسارا بين يدي الله تعالى يرفع الله بها درجته ويثقل بها كفة
حسناته.
[size=21]وأسأل الله
العظيم أن ينفعني وإخواني بهذه الكلمات فإنها نابعة من قلب أخ لكم يملؤه
حبكم ويريد لنفسه ولكم النجاة من سوء المصير، ويحثكم على التأمل في هذه
العقيدة المهمة،وكيف أن الكثيرين لا يأبهون بها مع أنها ذات شأن خطير، حتى
أنها تؤثر بشكل كبير على سائر أعمالنا ومسيرتنا باتجاه اليوم الموعود