منتديات بحبك اكتر
اهلا بيك زائرنا الكريم فى بيتك منتديات بحبك اكتر
منتديات بحبك اكتر
اهلا بيك زائرنا الكريم فى بيتك منتديات بحبك اكتر
منتديات بحبك اكتر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات بحبك اكتر منتديات اجتماعية ترفيهية.افلام اجنبية رومانسية ورعب و واكشن وافلام عربية وهندية .اغانى ،، اخبار مصرية وعالمية ،، كليبات ،، العاب ،، اسلاميات ،، مناقشات وحوار
 
الرئيسيةhttp://up.msryaأحدث الصورالتسجيلدخول
نصر الله فلسطين .. حداد على ارواح شهداء غزة وشهداء حادث القطار المروع بالاطفال.. فى رحمه الله ورعايته

 

 رواية وجه القمر ج2 والاخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سوبر مانجير
Admin
Admin
سوبر مانجير


ذكر
الجدي عدد الرسائل : 1065
المزاج : مبسوط
تاريخ التسجيل : 20/01/2009

رواية وجه القمر  ج2 والاخير Empty
مُساهمةموضوع: رواية وجه القمر ج2 والاخير   رواية وجه القمر  ج2 والاخير Icon_minitimeالثلاثاء 07 أغسطس 2012, 1:13 pm

وجه القمر
(الجزء الثاني)

1 – حديقة الطفولة
حديقة الطفولة خالية باستثناءالذكريات التي لم يخمدأوارها يوماً ما..
إن ذكريات الطفولة غالباً ما تأتي على غفلة، تسكب الماضي شلالات أمل، أو دفق بركان خمد منذ سنين.. ثم انفجر على ضربات القلب.
الأرجوحة في مكانها، تملأ فضاء النفسرقصاً وتأرجحاً..
حبال تمتد حتى تلامس جبهة السماء المتعاليةفوق بساط من غيوم رقيقة جداً، ومن خلفها تمتد نجوم الأمل،على جمرسخونة أنفاسه الساعية على عجل، يقلب ذا الكف وذا الكف، بحثاً بين خيوط سرابه الأول، عن "دعوة حزن" عاش أسيرها شهوراً طويلة، مستجيباً لجبروتها دون احتجاج، متقلباً على لهبها دون اعتراض..
كأنه يعاقب نفسه، يريد أن يطهرها من "جرم" لم يقترفه، وجناية لم يرتكبها.
قلبه يسكن سجن الماضي،وروحه لا تطيق الانحباس في فضاء بلا مدى..
ولولا حادثة البستان لما قفز فوق جدار التيه نحو التحرر والانعتاق..
ألمه بجرح سارة زاد لوعة فراق الوالدين.. صدمة العودة أطلقت من أعماقه صيحات كانت مكبوتة.. لم تكن سارة تستحق كل هذا القهر والقسوةوالعذاب.. لكنَّها لم تستسلم لآلام الحياة، لم تضعف مثله، بل كانت أقوى بكثير..
"لكنها لم تفقد والديها مثلي"..
فكر بصوت عالٍ..
تنبه إلىأنَّه في مكان عام، تلفت حوله..
"الحمد لله لم يسمعني أحد".
يبحث عن عذر حتى يبرر لنفسه.. الصدمة كانت قاسية، لكنها ليست مبرراً لكي يقسو على غيره ويعاقب نفسه، هاجراً دراسته، مبغضاًحياته وحياة من أحبه، والنتيجة فقد كل شيء، حتى إرث والديه التهمه من وثق به..فهدم الحزن ما قضى الوالدان عمرهما في بنائه.
كان حبه لهما سبباً في الإساءة لذكراهما، ولكل من أحبهم وأحبوه..
عندما تكون مشاعر الود مورداً للهلاك فما يغني الطبيب ولا الدواء؟
حاله كحال الشاعر القائل:

إلى الماء يسعى من يغص بلقمة // فقل أين يسعى من يغص بماء؟
إن الحبَّ الذي يملأ الفؤاد تجملاً، يسطع بنورهإذاانطفىء كل سراج، فلا يبقى غير شعاعهمخترقاً ليل الألم، عاصراً من الجراح بلسماً، منتصراً على سراديب الظلام.
2 –الأرجوحة الخشبية

الوقت بات متأخراً بعض الشيء، والناس عادة لا تأتي إلى الحديقة في مثل هذا الوقت من الليل..
بياض خافت تسرَّب من بين غيم..
ألقى القمر وجهه على تلك الأرجوحة الخشبية، المزهوَّة بدقة الصناعة، أرجوحة ضمتها حكايات الطفولة واليفاعة.. طفولة تحكيها ورود الحديقة ببراعة..
"هنا لعبنا.. هنا أكلنا وشربنا.. هنا وقعتْ وجرحتْ يدها،فمسحتُ بمنديلي جرحها الدامي.. منديل احتفظت به سنين عديدة.. تركته في غرفتي بين أشيائي الحميمة".
"آه.. هذه هي الشجرة شاهد على طفولتنا..فيها غصن انكسر تحت وطأة ثقلنا بعد أن قررنا الجلوس عليه في عبث ولهو ولم نرحم ضعفه، فكسرناه ووقعنا من أعلى الشجرة، ولولا لطف الله لتكسرت أضلعنا كما انكسر الغصن.. ما أحلاها من ذكرى".
"هنا.. دورنا القمر.. وهناك رسمنا الصور.. وعزفنا مع الطيور أجمل الألحان.. فما أجمل القمر هذه الليلة، إنه يشبه ذلك القمر!".
"قالت إنها ستنتظرني هنا.. طال انتظارها دون أن آتي"..
"صبرتْ عليَّ ولم أصبر على جرحي.. نبشت كل ما في الكون من ألم، وكانت بلسماً قربي، ولم أعِ قيمة هذا البلسم".
"لا عذر لي.. لا عذر لي.. كيف أقابل الناس الذين احتضنوني بعطفهم بعد أن جافيتهم بقسوتي، أي ابن عاق هو أنا؟".
ظلَّ على هذه الحال يتقلب على جمر الأسى، يحاسب نفسه على ذنبها، مضت شهور طويلة، فقد فيها كل شيء، منذ وفاة أبيه وأمه، منذ تلك الحادثة الأليمة، من حقه أن يحزن، أن يبكي فقدان من يحب، لكن البكاء لم يكن يوماً حلاً لمشكلة، ولا ترياقاً لمعضلة..
كل الأحلام القديمة لم تكن سوى خدع على طرقات مزدحمة بالإطارات..
طرقات الحياة ملأى بجراح ساخنة..
تلك الطرقات حصدت أغلى غواليه.. الدكتور رمزي والدكتورة صفاء.
تثور في مقلتيه دموع متلألئة، تبرق على وهج لهيب ضوء تناثرت أضلاعه..
لم تكن هذه اللحظات سوى مهماز يقرح خاصرته المزنَّرة بالجراح.. الموشحة بالوجع..
يريد أن يبني جداراً بينه وبين نفسه..
عاد مقراً بأنَّ الأمل باقٍما بقيت الروح في الجسد، وأنَّالعطاءصنو الوفاء.. ومواصلة الطريق رغم جراحاته أفضل ألف مرة من الاستسلام.. لكنَّ، كيف يجبر المكلوم ما انكسر، وكيف يعالج السقيم قسوة الأيام..
التجمل دوماً هو ملاذ المحزونين، هو سبيلهم الوحيد للتحرر من قبضة الألم.




3- ذكريات الأمل

هنا الأرض اشتاقت لخطواته..
وهنا الفراشات تسمع همساته، وترسم في ناظريه ألوانها..
هنا الطفولة زرعت في نفسه أحلامها وآمالها، واتخذت من رحيق الورد عنواناً.. حتى تلاشت في نبضاته وتعطرت في..
هنا تفتحت ورود الحياة ورسما معاً أجملالذكريات..
تلك الذكريات التي يحملها زياد في مهجته، نسجها بخيوط ملساء وردية، فأزهرت في هذه الحديقةالوارفة، مطلة على ماضية.. بكل ما فيها من جمال ساحر جذاب..
ذكريات أمل متألق تنبعث بفرح وكبرياء كشقائق النعمان..
سار في أرجاء الحديقة، كان يشعر كأنها غابة وسيعة، رغم مساحتها المحدودة.. ومع سَيْره يقلِّب صفحات الماضي بشغف يريد أن يستكشف كل صفحاته التي قد تكون قد غابت عنه أو شابها بعض الضباب بسبب الغمائم التي تملأ فضاءات المحزون.. كتاب ممتلىء بالذكرى.. عالم من جمال يكتنفه فيض من الألم.
يتذكر– زمناً بعيداً - عندما كان أبوه يأتي بهوهم ما يزال في روضات طفولته الأولى، يضعه أمام اختبار الأرض.. أمام حب الوجود للوجود، واشتياق التراب إلى التراب.. هذا الذي منه أتى إليه الإنسان وإليه يعود، دون اختيار أو إرجاء.. هو في القدوم أم في الرحيلسواء، أشياء مكتوبة، ليس للإنسان فيها حيلة.
أدرك بحس البنوة أن الأبوة ليست نزعة تشبعية.. بل رغبة باستمرار حياة.. مثل شجرة تزهر وتثمر ثم تسقط أوراقها لميلاد جديد، لحياة عتيدة.. تعطي ميراثها دون اقتران ذلك بآنية نفعية، هكذا علمه أبوه من الأرض.. وهذا ما رآه على يدي أمه وأبيه وهما يعالجان المرضى..
نادرون هم من يعصفون في الحياة ويرسمون الأمل..
نادرون هم من يزيدون في الميزان ولا يخسرونه..
نادرون هم من يجعلون حياتهم شموعاً لينيروا دروب الآخرين..
لكن قدر الحياة أن تكونَ أعمار هؤلاء قصيرة، غير أنهم يثمرون..ويثمرون.. ويثمرون.
تعود النسماتُ البارداتُ، تمرِّغُ وَجْهَهُ المتلفح بالحُزْنِ، تحَاولُ أنْ ترفعَ عنه هذا اللثام، أن تجلوَ الهمَّ عن عينيه فيغدو كما كان..
خطوة العودة كانت البداية، وأي شيء يحتاج إلى بداية، فلا يمكن تغيير الواقع دون إرادة وإصرار، فالدنيا مهما أبدت من حسن النية، فإنها تخفي وجها عبوساً، وقديما قالوا:
ما زالت الدنيا دار أذى // ممزوجة الصفو بأنواع القذى
يجلس زياد على مقعد حجري فيشعر ببرودتهالشديدة.. يسرع بالقيام من مكانه،ويشرع بالبحث عن مقعد خشبي،يمتص برودة الليل أو جزءاً منها.. يلقي عليه بدنه المنهك.
فكر في ذلك:"الخشب قادر على امتصاص الشدة وتخفيفها علىمن يتلقاها من جديد، بينما الحجر - على قوته - ينقل البرودة ولا يمتصها، فينفر الجالس عليه، ويضطره للبحث - كما فعلتُ- عن مقعد غير حجري.. رغم ما يتميز به من شدة وصلابة، إلا أنه في النهاية بارد متحجر"..

4– عصامالمحامي

على وميض الذكريات المتوهجة يتناهى إلى سمعه وقع أقدام تطرق الأرض بحنان.. طرقات متتالية خفيفة غير متسارعة، لولا هدوء اللحظة لم يسمع صوتها.
ترى من يأتي الساعة غير القمر! يخترق حجب الظلام بضوئه، يؤجج نار الذكريات الباعثة على الأمل رغم كل فحيحها..
عصام.. يا للمفاجأة!
الجار المحامي والصديق القديم..
شاب مشتعل حماسة.. يطرق الأرض بحذائه الطويل، المرتفع من الأمام، بكعب عالٍ صلب.. وقامة مرتفعة وأناقة شبابية تعكس شخصيته الجادة..
يضم الصديق صديقه.
عصام يضم زياداً وزياد يضم عصاماً..
لوحة شوق عبث الزمان بطرفيها فتباعدا، ثم تدانت مسافاتها حتى التوحد..
ما أجمل الصداقة عندما تعود كما كانت، دون أنْ تذْبلَ أو تموتُ كما تموتُ الورود وهي واقفة على ساقها.. أو قائمة في إنائها..
إن صداقات الطفولة البريئة لا تموت بسهولة، لأنها قامت على الوفاء والصدق، ولم يأتها باطل من خلفها ولا من أمامها.. هي نسائم الحياة التي تملأ الوجود بالعطر عندما يسوء العمل، ويحتضر الأمل.
يتكلم عصام بفرح المتحمس بلقاء عزيز بعد فراق طويل: "أخبرني الحارس وأنا أدخل العمارة قبل قليل بعودتك، وأنك هنا في الحديقة؛ لم أستطع الانتظار حتى تعود، وضعت حقيبتي في البيت وأتيت على الفور..".
زياد يتمرد على كآبته، يفرح بصديقه، فتشتعل في عينيه أضواء الفرح.. ثم يقول مبرراً: "جئت إلى هنا قبل قليل.. عدت لأتذكر أياماً خالية، ليس لي حق بدخول منزلي.. فهو الآن ليس ملكاً لي..".
كان حاله يقول:
إنَّ حظي كدقيق فوقَ شوك نثروه // ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه

أمَّا عصام فيجيبه بأمل المحامي الواثق دائما بالنصر: "كل شيء يمكن إصلاحه.. لا ترهق نفسك يا زياد بكثرة التفكير، ولا تقلق.. فلكل مشكلة حل، ولكل أزمة فرج".
في بعض الأحيان يصبح الصمت أكثر تعبيراً وأزكى عبيراً وألذ تصريحاً.. فتسمو المشاعر وتنفتح كل مغاليق الأنفس، وتشرئب القلوب من بين أغصانها، وتمتد تيهاً وكبرياء..
أثيرٌهو الكلام!
إن التخفي وارد وراء قصائد ومعلقات مطلية بماء "مُذَهَّب"، إذا ماتبدَّل الزمان وصار الكلام مِنْ "كَذِب"، وأضحى شريفاً مَنْ كَذَبَ!



5–هروب مستمر
عصام على المقعد الخشبي الشارد نأياً عن المقعد الحجري البارد.. وقربه زياد جالس يتأمل لوحة السماء السمراء، على المدى المشغول بالقمر المستدير، والنجوم ولهى مغسولة بالشعاع المنير، تصارع السحاب المطلي بالفضة.. للبروز والتأنق على فضاءات اللوحة.
يخترق زياد حجب الصمت وعطر اللوحة المسائية المتحررة من القيود، معانقة نسمات الحرية: "تأخرتُ كثيراً بالعودة.. لقد كان الحدث مصيبة أقوى مني، وأشد من أن أستوعبها بسهولة، أردت الهرب من واقع أليم ألم بي من غير توقع أو إنذار".
هكذا تأتي حوادث الدهر فجأة، دون أن ترسل برقية إو رسالة إلى صاحبها، لكن عليه أن يتلقاها بصبر وأمل، وأن يتحمل قسوتها بشدة الإيمان، فلا شيء يخفف الألم أكثر من مجاراته.
"دعنا الآن يا زياد من هذا الحديث.. لا أريد مناقشتك في أمر قد مضى، أقدر المحنة التي مررت بها، وهي محنة أعرف كم هي شديدة الوقع، لكني لم أتفق معك على استسلامك أمامها..على أي حال؛ علينا الآن أن نفكر بالمستقبل، لا أنْ نظلَّ أسارى الماضي.. نحن أمام مشكلة يجب علينا حلها دون انتظار، ممتلكاتك التي نهبها منك وكيل العمارة تتطلب أن نحارب من أجل استعادتها، الجميع يعلم أنك كنت ضحية ذلك الرجل المخادع، وقد جمعت عنه الكثير من المعلومات، قد لا يكون الوقت الآن مناسباً للتحدث بهذا الأمر، لكني لا أريد أن نضيع المزيد من الوقت، يكفي الذي حدث حتى اليوم".
زياد يبدو هارباً من الواقع، ما تزال الحادثة ماثلة أمامه جرحاً نازفاً.. حتى بعد عودته، ما زال في رحلة هروب هائمة دائمة..
أخذ نفساً عميقاً.. كأنه يريد أن يمتص عبير المكان، أو يدخل الحديقة كلها في جوفه..
"أرجوك يا عصام، لنؤجل الحديث بهذه الموضوع، أنا لا يهمني كل ذلك الآن، ما قيمة كل هذه الأشياء بعد أن ذهب صاحباها، أنا من دونهما لا شيء.. لقد فقدت أجمل ما في الحياة.. وماذا بعد؟".
يرفع عصام منكبيه عالياً، وينفخ صدره متنهداً بعمق ثم يقول بصوت هادئ: "إنَّها إرادة الله..".
"معاذ الله أن أعترض على إرادته، أو أيأس من رحمته".
يقول زياد ذلك بكل الإيمان الذي زرعه في نفسه والداه..
"لا بأس.. الآن مرَّت شهور طويلة على تلك الحادثة، وعليك أن تبدأ من جديد.. نحن كلنا أهلك يا زياد، من ينسى فضل والديك على أبناء الحي، كبارهم وصغارهم، عودتك اليوم دليل تعافيك، دليل على أنك تريد إكمال مسيرة والديك، خاصة أنك كنت تدرس الطب مثلهما، الناس تأمل منك أن تقوم مقامهما..".
"لا أدري.. هل لإنسان أن يقوم مقامهما.. هذا محال".
يصغي زياد إلى صدى كلماته..
يلقي ببصره على زهرة منحنية الهامة تاركاً الصمت يجوب الزمان والمكان من جديد.. ينشره ليسكن ضفائر الأشجار وأفنانها.. ويمضي في البال سهماً حتى القلب..
"هيا نذهب إلى منزلي الآن، أبي سيرحب بك كابن له بكل تأكيد، يمكنك البقاء عندنا مؤقتاً حتى نجد حلاً لمكان إقامتك، إلى أن تستعيد الحق الذي سرق منك"..
"هل تعتقد ذلك يا عصام، هل يمكنني فعلاً أن استعيد ممتلكات أبي وأمي؟".
"هذا أمر لا شك فيه، هيا بنا الآن لنستريح وفي الصباح نتحدث".
6– وجه وقور
يسود مجدداً صمت بديع بليغ فيما يترقب عصام رد زياد..متذكراً قول الشاعر:
خلق اللسان لنطقه وبيانـــــه //// لا للسكوت وذاك حظ الأخرس
فإذا جلستَ فكنْ مُجيباً سائلاً //// إنَّ الكـــلامَ يزيِّن ربَّ المجلس
وقبل عودة الكلام؛ صوت نعال يشق عذوبة المكان بنهم، صوت شديد الوقع هذه المرة، حثيث الخطا بانتظام.. ينقذ زياداً من رده..
ثوان معدودات ولاح وجه يعرفه جيداً.. وجه وقور.. وجه لا يمكن أن ينساه، يحمل عناق الماضي بأمل الآتي.. حتى يذوبا معاً في انصهار الجداول والينابيع.
انتفض زياد واقفاً وكأنَّ صاعقة أصابته.. لم يكن متوقعاً قدوم نسائم الأحبة..
كأن الحديقة التي لجأ إليها بحثاً عن ذكرياته الهاربة باتت مقصداً لمن عرف الخبر..
الحارس أبلغ والد سارة كما أخبر عصاماً، لكن والد سارة لم يصعد داره، خطا خطوات سريعة نحو الحديقة ما إن تبلغ الخبر..
من يصدق؟!
يحمل في جيبه مفتاح شقة زياد..
لم يتخلَّ عن المفتاح يوماً، كان يتوقع عودة زياد في أي لحظة.
يقبِّل زياداً بحب، فيبكي زياد كأن حاله يقول:
مهما كتمتُ لظى شوقٍ يؤرِّقني // قَدْ يفضَحُ القلبَ دَمْعُ العين أحْيَاناً
هذا المفتاح جديد، غير المفتاح الذي يملكه زياد، وكيل العمارة كسر قفل الباب ووضع قفلاً جديداً، أعطى المفتاح لأبي سارة بعد أن اشترى الأخير منه المنزل ودفع إليه مبلغ الشراء كاملاً..
يخبره أبو سارة أنَّ كل أغراضه ما زالت كما هي.. لم يدخل الشقة أحد خلال الفترة الماضية، وكان حارس العمارة ينظف المنزل من حين لآخر ترقباً لعودته..
أبو سارة كان يبدي فرحة كبيرة بعودة زياد.. والداه كانا من أعزِّ الناس إليه، كما أنَّه يعلم مقدار المشاعر النبيلة التي كانت تربط بينه وبين سارة.
يد زياد لم تقترب من المفتاح المتدلي من يد تمتد أمامه مباشرة..
لا يريد أخذ المفتاح، لم يفتح يده ليتلقاه كما يجب أن يتلقاه.. يشعر أنَّ هذا البيت لم يعد بيته، أو ربما لا يريد أن يعود إلى تلك الذكريات التي تنبض بالألم، والتي ستحيي كل ما قد مضى من أحداث..
لا يريد نبش الجراح.. لا يريد أن يتلمس أطراف الرماح المسننة.. لا يريد أن يبعث مارد الحزن في قلبه من جديد..فكل الأشياء في البيت تذكره بأبيه وأمه، كما أن البيت أصبح ملكاً ليغيره... وهو لا يستحقه..
وقف أبو سارة ينتظر.. وطال انتظاره في لحظات صمت.. يملُّ منها الانتظار.
ما أصعب الانتظار..
شهور طويلة وسارة تنتظر، والمفتاح ينتظر.. والمحامي ينتظر.. وأهلُ الحي لطالما سألوا وبحثوا عن زياد حتى ملُّوا البحث.. لكنهم لم يملوا الانتظار..تلك الحكايات التي تُحكى، جراح ساخنة على طريق الانتظار؛ تدمي القلوب، وتشعل شرايينها التي يبست وتصلبت من قسوة الزمان، ونزيف الشوق المتقلب على جمر اللظى المتأجج بلا خمود.. ولا احتضار.
7 – شقة زياد

"زياد.. خذ المفتاح وهيا بنا إلى بيتك".
قال عصام ذلك بصرامة المحامي تحت قوس المحكمة..
لكن زياداً ليس متهماً ينتظر حكم القضاء.. ولم يطلب من يدافع عنه.. أو من يملي عليه تفكيره..
لم يكن قادراً على مواجهة الواقع من جديد، كأن فقدانه البيت كان أمراً مطلوباً منه.
يعترف زياد بضعفه، بأنه يتمنى دخول شقته من جديد مالكاً لها، لكنَّالشّقة الآن ليست ملكه..
يصر أبو سارة على ذلك.. "البيت ما زال ملكاً لك، أنا اشتريته حتى لا يبيعه الوكيل إلى شخص لا نعرفه، اشتريته واحتفظت به من أجلك..".
زياد يعرف أن أبو سارة لا يملك كثيراً من المال، يدرك أنه قد يكون استدان لكي يشتري شقته، وعندما سأل الحارس عن ذلك أخبره أنه اقترض من البنك بعد أن باع أرضاً صغيرة كان يملكها في قريته البعيدة عن المدينة، لكن قيمتها لم تبلغ نصف قيمة الشقة، فاضطر لاقتراض ما تبقى من سعر الشقة حتى لا يفقد زياد شقته.. وتذهب إلى غريب لا يعرفونه.
ليس في الحياة ناس كثر يفعلون ذلك، هو يدرك أن لسارة دوراً كبيراً في هذا الأمر، ويعلم ما تختزنه سارة في قلبه من حب له.. ومع ذلك لا يريد الآن العودة إلى شقته.. كأنها مسكونة بالألم.. مغلولة بالعذاب..
يقطع تفكيره سؤال: "وأيْنَ سَتسكنُ إذن؟"..
سأله أبو سارة باستنكار..
"على سطح البناء غرفة مع ملحقاتها، كان أبي يستخدمها أحياناً كمخزن لبعض الحاجيات، أعتقد أن الوكيل لم ينتبه لها، وهو في الأساس لا يستطيع بيعها لأنها ملك للعمارة كلها، سوف أنظفها وأستقر بها مؤقتاً، حتى يأتي الفرج القريب بإذن الله..". أجاب زياد بهدوء وأدب.
وأمام حزم زياد، ورده الذي ينبئ عن قرار وليس عن استشارة، لم يكن بيد أبو سارة حيلة.. وكتم شيئاً من الغضب يشبه غضب الأب الطيب الودود على ابنه البار المحب..
كان يشعر بخيبة أمل..
إن ما فعله من أجل شراء الشقة لم يحظ بتقدير زياد.
لم يستطع الكلام بعد ذلك..
تراجع خطوتين الى الوراء، ثم هز رأسه غير راض، ومضى عائداً مكسور الخاطر.
"ما فعلته يا زياد كان خاطئاً.. هو اشترى البيت من أجلك أنت.. وأنت ترده خائباً"..
لم يتكلم زياد ولاذ إلى الصمت.. أما عصام فلم ينتظر جواباُ بل غادر المكان غاضباً هو أيضاً وتركه وحده على المقعد الخشبي.
هكذا تمضي أيامنا، نظن أن قراراتنا تكون حكيمة دائماً، فيما نرى في قرارات الأخيرة أقل حكمة، فلا يعي الإنسان خطأه إلا بعد فوات الأوان، فيندم، ولات حين مندم.




8– المسكن الجديد

استقر في "غرفة السطوح"..
السطح هو الملاذ الأخير للفقراء والحالمين، فليس أمَامه الآن خيارات كثيرة، القرار الوحيد بالنسبة إليه، والذي يحفظ له "كبرياءه"، هو السكن في هذه الغرفة المتواضعة، متخلياً عن شقته القديمة التي أبى أن يسكن فيها، بعد أن فقدها ولم تعد ملكاً له.
السطح كان مزدحماً بالصحون اللاقطة، ومساحة التحرك كانت محدودة جداً لضيق المكان..
الجدران متآكلة، تحتاج إلى إعادة ترميم، وإلى صبغ جديد، كما أنَّ كل شيء في الغرفة غارق في الغبار والرطوبة، فالغرفة مغلقة منذ موت والديه في تلك الحادثة الحزينة، لم تر الشمس ولم يدخل إليها الهواء.
ساعات قليلة مضت وهو يقوم بترتيب الغرفة وتأهيلها..
أبو سارة أحضر له بعض الأغراض الضرورية من منزله رغم كل الحزن الذي خلفه زياد في نفسه، فهو يعرف مقدار كبرياء زياد.. كما أنه كان يريد أو يشعره وكأنه واحد من أفراد من أسرته، فدعاه إلى الغداء في بيته.. لكن زياداً تحجج بأنه يريد إنهاء العمل في الغرفة لكي يستريح فيها باسرع وقت.
جميع سكان العمارة زاروه للمساعدة، أهل الحي كانوا سعداء جداً بعودة زياد، وقام عدد من كبار السن بزيارته والترحيب به، وكانوا نادراً ما يجلسون على السطح، إمَّا تحت الشمس وإمَّا تحت القمر، في فضاء السطح المكتظ بأجهزة الالتقاط الفضائي...
عرض عليه بعضهم أن يسكن في بيوت يمتلكونها، لكنه كان يعتذر بلباقة، هو يعرف أن الخير لا يضيع، وأن فضائل أبيه وأمه على أبناء الحي كثيرة، والوفاء طبع في الناس البسطاء الطيبين..هو اليوم غير زياد الماضي، عندما كان يستقبل الناس بجفاء، بل على العكس، هو يريد أن يبين لهم أنه ابن أبيه وأمه، وأنه امتداد لهما..لا يريد الإحسان.. فالكريم إذا أصابته نازلة كان عفيف النفس عديم الطلب.
التقى في يومين معظم سكان الحي، كثير من الفتيان والشباب جاؤوا لمساعدته، حتى أنهم قاموا بإعادة ترتيب الصحون اللاقطة وجعلوها متناسقة متدانية، حتى يوجدوا أمام غرفة زياد مساحة مناسبة تكون مثل ساحة استقبال..
العم خليل كان يحضر هو أيضاً بعض السندويتشات والمشروبات الخفيفة من حين لآخر..
عدد من شبان الحي الماهرين قاموا بمساعدته في صبغ جدران الغرفة من الداخل والخارج.. فكان لونها زاهياً لامعاً، وبدت جدرانها بأبهى ما تكون.
من كان يفهم بالسباكة أصلح له ما يلزم، ومن كان على دراية بالكهرباء جهَّز له الإضاءة المناسبة.. وخلال فترة وجيزة أصبح المكان لائقاً بزياد؛ ابن الدكتور رمزي والدكتور صفاء..
أمَّا المحامي عصام فكان يزوره من وقت إلى لآخر..
وفي إحدى الزيارات طلب منه أنْ يوقِّع له على توكيل أمام المحكمة لرفع قضية ضد وكيل العمارة الذي باع ممتلكاته بالحيلة.. زياد قال لعصام إن له حرية التصرف بالأمر.. لم يخش أن يوقع له توكيلاً.. لأنه لم يعد هناك ما يخسره..



9 – زاوية السطح

الأيام تعبر أمامنا سريعاً مثل لمح البصر، كأنَّها تفر من وحش مفترس، والساعات والدقائق لا يمكن أن تتوقف أو ترجع إلى الوراء.. هي تمشي في عادة إدمانية.. ومن يظن أنَّه قادر على تثبيتها مختل أو مجنون.. ضياعها ضياع عمر..فهي لا تعرف التحجر ولا الجمود.
ومخطىء من يظن أنه يبقى على حاله بعد حين، ففي كل ثانية تحدث تغيرات في الأجساد لا ندري ما هي، لأنها غير مرئية أو محسوسة.. فهيلا تظهر عادة إلا على المدى البعيد، وقديماً قيل: إذا مضى يومك مضى بعضك.. والذكي من عرف قيمة الوقت وأنتج فيه..
وكان زياد مع مضي الأيام يزداد حرقة وتشوقاً إلى من يحب..
رأى كل الناس ولم يصدف أن رآها..
"لعلها تتعمد ذلك؟".. دون أن يسأل نفسه عن الخطوة التي اقترفها ليصحح الخطأ..
فهو لم يجرؤ حتى على التوجه نحوجانب السطح المقابل لغرفته.
كان ينظر إلى الفضاء يحتفل بنجومه كأبهى لوحات الجمال، لكنه لا يقترب بضع خطوات، فهذه الخطوات القليلة كانت كافية لكي توصله إلى زاوية من السطح يطل من خلالها على شرفة سارة..
الإنسان الذي يخاف الماضي يخاف المستقبلأيضاً..ومن يخش ألماً يأته ما هو أشد منه..
فإلى متى هذا الهروب؟ ومتى ساعة العودة إلى الحياة بعد انكفاء بقرار.
وقد قيل:
ومن يخشَ صعود الجبال // يعشْ أبد الدهر بين الحفر
يمشي قريباً من زاوية السطح..
لعلَّ شيئاً ما يملك قوة جاذبة يجره إلى حيث لا يجرؤ أن يكون..لعلَّ ريحاً عاتية تأتي من بعيد،تنزعه من مكانه، وتحمله- غصباً - إلى أقصى الزاوية.. وتلقيه أمام من يحب.
لكنْ.. هيهات هيهات أنْ تأتي ريح يتمناها.. وأن يتغير واقع لا يريد هو بنفسه أن يغيره ويبدله.
فهل تتغير الأحوال من غير إرادة ويتحقق انتصار من غير قتال؟ وكم من متأمل ضاعت منه آمال وتناهت عنه أحلام.. يظن مخطئاً أن الآمال ستأتيه عفواً، وأن الأحلام ستتحقق دون أن يجهد فكراً أو يبذل عملاً. هو يعلم أنَّه: ما نال غايته من عوَّل الآمال على ريح صرصر عاتية.. أو من طلب الماء في صحراء قاحلة.. أو من صخرة صماء جامدة.
إنَّ الريحَ التي تمرُّ تمضي في طريقها بكبرياء.. لا تسأل عن محب أو مبغض، هي تحمل العبير وضده.. وتسير بلا نهاية.. بلا حدود أو هدف، تتنقل من بلاد إلى بلاد دون كلل أو ملل.. تمر على أسطح بيوت الأغنياء كما تمر على أسطح بيوت الفقراء.. سيان عندها ما بين زهر الربيع أو شوكه.. هي تمضي، وتدور حول الكرة الأرضية، تقطع المسافات دون انقطاع.. ولا تعبأ بكل من تصادفه في طريقها..لكن زياداً لا يعبأ برحلة الريح البعيدة.. يريد نسمة صغيرة تحمل شوقه لأمتار قليلة.. يريد أن يرسل وروداً مع النسمة.. ورسائل كثيرة.. من يدري! لعل واحدة منها تسقط على شرفة سارة.


10– العميدة ميشلين
المكوث في غرفة ضيقة فوق سطح بناء عال فسيح يثير التفكير والتأمل، خاصة مع مصاحبة وجه القمر كل ليلة..
إن القمر في عليائه وبهائه يعشق القاطنين في الفراغ والأماكن المرتفعة.. ينسج لهم من شاله الأبيض حكايات المساء..يملأ لياليهم بإضاءات حية، فيستغني الساكن معها عن الكهرباء في ساعات التأمل، ويمضي وقته بين أحضان القمر..وما أجمل من قمر يلقاه بوجهه المنير.. يذكره بأنه دوَّر القمر، وغفا في حضنه يرسم الصور، ويجمع من خيوطه الأمل..
ساعات وساعات قضاها يتأمل..
دفعته ساعات التأمل الكثيرة ليفكر بنفسه أكثر فأكثر، فإلى متى سيظل يعيش على كرم أهل الحي؟ هم يأتونه بالشراب والطعام، وحتى الكساء، أهذا هو الذي أراده له أبواه؟! أهذا هو الذي يريده ويتمناه؟!..
قرر الذهاب إلى الجامعة، لكنَّ الأمرَ ليسَ سهلاً..
كيف يذهب إلى العميدة ميشلين بعد أن رفض استقبالها في بيته؟
كيف يطلب منها أن يعود إلى الجامعة وهو لم يستجب لدعوتها له بالعودة إلى الدراسة؟
كيف يذهب إلى الجامعة بعد تخليه عنها فترة طويلة من الزمن؟
كيف يلتقي بأصدقائه الذين عاملهم بجفاء وكيف سيكون موقفهم منه؟
أسئلة كثيرة مزعجة.. لكنه يريد من خلالها أن يجد حلاً يتيح له متابعةحياته بشكل طبيعي..
ميشلين سيدة كريمة.. بلغت منصب عميد لكلية الطب بعد أن قضت في التدريس فترة طويلة، تمكنت خلالها من استقطاب قلوب الطلاب والطالبات وجذب اهتمامهم لأنَّها صاحبة عقل وقلب كبيرين..
قرر الذهاب إليها.. مهما كانت النتائج.
تذكر كيف كانت العميدة ميشلين ترعى طلابها وطالباتها وتعاملهم كأولاد لها، تحرص على أن يحضروا ساعات الدراسة كلها، ولو تغيب أحدهم لأمر ما كانت تعيد بعض الأجزاء المهمة من المحاضرة السابقة وتطلب من المتغيب أن يقرأ الدرس جيداً ويحاول أن يفهمه، وإن وجد صعوبة في جزئية ما تطلب منه أن يسألها في الساعات المكتبية، فهي لم تبخل يوماً بمعلومة مفيدة، ولم تتبرم مرة ولم يضق صدرها من كثرة استفسارات الطلبة والطالبات، بل كانت تصر على أن يطرح الجميع أسئلتهم، وإن لم يسأل أحد الطلاب تتوجه إليه هي ببعض الأسئلة لتتأكد من أنهم فهموا الدرس جيداً..
تذكر بعض الأصدقاء، وخاصة زميلته دينا..
كانت دينا تحرص على أن تراجع معه بعض المواد، ولطالما سألته عن أمور كانت بحاجة من وجهة نظرها لشرح وتفسير، وكان يتعجب من كثرة أسئلة دينا، مع أنها طالبة متفوقة، وتحصل على درجات عالية في الامتحانات القصيرة، وكذلك في امتحان نهاية كل فصل.
استعاد كثيراً من ذكريات الجامعة.. وقرر أخيراً أن يذهب في صباح اليوم التالي إلى الجامعة، ليمنح نفسه فرصة حقيقية جديدة، بدلاً من الجلوس والانتظار.
الترقب بلا نهاية أمر لا طائل منه، والحياة تحتاج إلى انعتاق من قيود الواقع وانطلاق إلى المجد، وإن العيش في قلب الصراع يستوجب التغلب عليه، وكما قالوا: "لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس".


11 - في مكتب العميدة
الجامعة في هذا الوقت من النهار تكون هادئة، ولا يظهر الكثير من الطلبة في الساحات والردهات، وكلية الطب من أكثر الكليات التي يبذل فيها الطلبة مزيداً من الجهد في الدراسة، وزيادة في الاهتمام بحضور المحاضرات وعدم التخلف عن الساعات التدريبية، فالطب مواده الدراسية مفصلة وكثيرة، وتتطلب تركيزاً ومتابعة والتزاماً صارماً بالحضور.
كانت سعادة الدكتورة ميشلين بدخول زياد مكتبها لا توصف.. المفاجأة السارة لم تدع فرصة لبقاء العميدة جالسة على كرسيها..نهضت بعفوية، واستقبلت ضيفها مرحبة به بحرارة عند باب المكتب:
"اشتقت إليك يا ولدي، ما هذه المفاجأة السارة، لقد تغيرت قليلاً.. تبدو نحيفاً وعليك آثار التعب.. الجامعة اشتاقت إليكونحن أيضاً.. زملاؤك بحثوا عنك طويلاً بعد اختفائك المفاجىء.. ودائماً نتحدث عنك".
كانت العميدة سعيدة جداً بعودة زياد.. وكانت من شدة فرحتها تتكلم وتتكلم..
زياد الذي توجه مباشرة إلى مكتب العميدة لم يلتق أحداً من زملاء دراسته في طريقه إلى المكتب..
سار سريعاً حتى بلغ المكان..كان يعلم أن هذا الوقت يكون فيه معظم الطلبة مشغولون بالمحاضرات داخل قاعات التدريس أو في المختبرات..
استرجعت العميدة مع زياد بعض الذكريات السعيدة، كانت تتحدث بسرور لم تتسم به الدكتورة ميشلين من قبل.. فمر الوقت.. وفي حركة تلقائية، ألقت العميدة ميشلين نظرة نحو ساعة معلقة فوق الجدار المقابل لها.. فهبت من مقعدهامباشرة..صائحة: "يااااااه.. لقد تأخرتُ كثيراً.. هيا.. تعال معي يا زياد.. هيا بسرعة".
فوجئ زياد من التغير الفوري الذي طرأ على الدكتورة ميشلين، فقد نهضت بسرعة، ولم تكن أمام زياد فرصة للكلام، كما أنها لم تكن تنتظر منه رداً.
قامت العميدة على الفور..حملت حقيبتها الجلدية ذات اللون الذهبي الزاهي المزنَّر بخيوط وردية وبنفسجية، ثم سارت بخطى سريعة أقرب إلى الهرولة منها إلى المشي، فتبعها زياد مذعناً دون أن يبدي أي اعتراض..
وما هي إلا خطوات قليلة حتى وجد زياد نفسه وجهاً لوجه أمام الدكتورة دينا، تلك الطالبة المجتهدة التي كانت تحمل له أطيب مشاعر الود التي تجاوزت حدود الزمالة والصداقة، وكم هي حاولت مراراً وتكراراً أن تخرجه من عزلته في الأيام التي تلت الحادثة الأليمة.. وكانت تصرفاته جافة معها.
تجمَّد زياد في مكانه، لم يكن يتوقع هذا اللقاء، أو ربما لم يكن في تفكيره هذه اللحظة..
أطلقت دينا صيحة مدوية..
المفاجأة لم تمنح دينا فرصة لتكتم صيحتها، أو أنْ تخفي شدة دهشتها برؤية زياد أمامها بعد غياب طويل طويل، انقطع معه الأمل من عودته رغم شوقها إليه.
كانت تقف عندمدخل القاعة التي تجمع فيها زملاء زياد القدامى.. بانتظار وصول الدكتورة ميشلين.
هرع الجميع نحوها..حيث تقف في مواجهة زياد مباشرة، كان زياد مرتبكاً من الموقف..
هبت صديقات دينا نحوها، وقبل وصولهن إليها، غارت عيناها، وهَوَت أرضاً.



12- سرٌّ الدكتورة دينا
أجرت الدكتور ميشلين فحصاً سريعاً على نبضات قلب دينا.. وبعد أن اطمأنت على سلامتها، طلبت حملها ونقلها إلى مكتبها القريب لترتاح على الأريكة.. مفاجأة عودة زياد كانت شديدة الأثر في نفسها، ما كشف عن سر كبير تحمله منذ سنوات.. لا يعرفه غير صديقتها المقربة الدكتورة فتيحة التي ظلت مع صديقتها دينا في مكتب الدكتورة ميشلين..
وفي قاعة التدريس كان الطلاب والطالبات زملاء زياد القدامى يعبرون عن فرحتهم الكبيرة بعودة صديقهم القديم بعد أنْ اطمأنوا على صحة زميلتهم دينا..
زياد بالنسبة إليهم ليس زميلاً فقط، بل أخ وصديق للجميع.
قالت الدكتورة ميشلين وهي تضحك: "يا دكتور زياد، لقد ضيعت على زملائك درساً مهماً.. هم انشغلوا بك فطارت من عقولهم الدارسة".
أطربت عبارة "يا دكتور" أذني زياد.. كان سعيداً جداً بسماعها من الدكتورة ميشلين.
وقبل أن يعلق بكلمة أردفت قائلة: "سوف تضطرني للقيام بلقاء إضافي حتى أشرح الدرس من جديد..لذا فإني سأعاقبك عقاباً قاسياًعلى ذلك.. وعقابك هو قبول دعوتي إلى فنجان قهوة في استراحة المدرسين، مع كل زملاء الفصل، وفوراً، بعد أن تعود إلينا دينا بصحة وعافية، ولن أقبل أي عذر.. والنقاش بالموضوع غير مسموح إطلاقاً".
"نعم..نعم..نعم..".
طلاب الفصل يعلنون بصوت واحد موافقتهم على دعوة الدكتورة مع التصفيق والضحك..
أما زياد فلم يضحك..
ظن البعض أن سبب ذلك هو أنه ما زال على حزنه القديم.. لكنه كان يفكر في هذه اللحظات بالدكتورة دينا وبما أصابها.. وحتى لا يحرج نفسه بالأسئلة الكثيرة؛ ابتسم دون أن يبدي أي اعتراض على حكم الدكتورة ميشلين.. "المبرم".
وقبل أن تزول الابتسامة عن وجهه دخلت فتيحة عائدة من مكتب العميدة، فرأت الجميع يضحكون.. فضحكت معهم دون أن تدري ما السبب، ثم أخبرتهم أنَّ دينا بخير، وشربت قليلاً من الماء البارد.. وأنها سعيدة جداً بعودة زياد.. ولم تكد فتيحة تنهي جملتهاحتى دخلت عليهم دينا فنهض الجميع لاستقبالها، فيما أسرع زياد نحوها وفي عينيه بريق جديد.. كأنَّه اكتشف شيئاً غاب عنه سنين مديدة.
ما أغرب هذه الدنيا.. بل ما أشد غرابتها!.. لا يدرك الإنسان في أحيان كثيرة أهمية أمر ما إلا في وقت متأخر وفي ظروف غير مناسبة، ولا يعرف قيمة الأشياء عندما تكون قريبة منه وفي متناول يده، فيعتاد عليها من كثرة ما يراها، يظنُّ أنها شيئاً عادياً بسيطاً، فيقوم بالبحث عن أشياء أخرى قد تكون أقل قيمة ومكانة، فيخسر الأولى ولا يعثر على ما يضاهيها.
فتيحة تعلم أنَّ دينا تحب زياداً.. واليوم وصلت هذه الرسالة إلى الجميع، غير أنَّ دينا عندما عادت حاولت أن تظهر أنَّ ما حدث لها كان بسبب اهتمامها بزياد كأخ وزميل، ولِمَا تحمل له في نفسها من معزَّة على مقاعد الجامعة..كانت كلماتها لتبديد القناعة التي سادت لدى الجميع محاولة فاشلة، بل زادت شكوكهم.. لتصبح يقيناً عندهم..


13– مشاعر زياد ومشاعر دينا

شعر زياد بالخجل والارتباك من هذا الموقف.. فقلبه ليس فارغاً.. والجميع يعلم أنَّه يحب سارة، لطالما كان يخبرهم عنها، كما أنَّها جاءت مرات عدة معه إلى الجامعة ليعرِّفها على زملاء الدراسة، كما أنَّ الدكتورة دينا تعرف هذا الشيء، ولم تكن تبدي أي إشارة أو تلميح يظهر ما تحمله في قلبها من مشاعر نحو زياد.. أمَّا اليوم فقد كشفتها المفاجأة..
دينا انزعجت من إفشاء سرها، هذا السرُّ الذي حملته في قلبها سنيناً، ولولا أنَّها شعرت بمدى الحاجة إلى من يشاركها هذا السر ليخفف عنها لوعتها؛ لما أخبرت صديقتها المقربة فتحية، التي تعرفها منذ سنوات طويلة تعود أيام المدرسة.
قالت دينا ضاحكة بعد أن أخبرتها العميدة بدعوتها - وهي تخفي ارتباكها - قبل أن يتوجهوا جميعاً نحو مطعم الجامعة لتناول القهوة الاحتفالية التي دعتهم إليها الدكتورة ميشلين على شرف زياد: "دكتورة.. نحن نقبل دعوتك.. لكن لدينا شرط واحد".
نظر الجميع نحو دينا باستغراب..
"الآن ليس وقت الشروط يا ست دينا!".. أجابت الدكتورة ميشلين بابتسامة عريضة.
فقالت دينا: "ومع ذلك؛عندي شرط لا بد وأن يتحقق.. وأنا أكيدة أنَّ جميع الزملاء سوف يؤيدونني ويساندونني بإصرار".
تنهدت الدكتورة ميشلين.. وقالت ضاحكة: "تفضلي يا ست دينا.. يا دكتورة دينا.. قولي شرطك، اسمعينا دررك، وربنا يساعدنا عليك ويقوينا على تنفيذ شروطك!".
يضحك الجميع من تعليق الدكتورة ميشلين التي نادراً ما تتحدث بمثل هذه الطرافة، حيث يغلب على طبيعتها الجد الذي تفرضه طبيعة مهنتها وشخصيتها..
تقول دينا كلمات تختلط مع ضحكات الجميع: "شرطي الوحيد أن تعديننا بأن يعود زياد إلى الدراسة من جديد".
ومَا أنْ نطقتْ دينا بشرطها حتى ساد صمت تام في أنحاء القاعة..
توجهت العيون كلها نحو الدكتورة ميشلين.. كأنهم في لحظات سعادتهم بعودة زياد غاب عنهم هذا الأمر جميعاً.. شرط دينا أحدث صدمة.. جعل الجميع يترقب رد الدكتورة ميشلين بصفتها العميدة المسؤولة.
لم ترد العميدة أنْ تسرق منهم فرحتهم بعودة زياد.. لم ترد أن تتلاعب بمشاعرهم، وأن تتعب قلوبهم بردود غير واضحة، لم تُردْ العميدة أن تمارس عليهم ما يمارسه بعض أصحاب المكانة من مواقف صلبة مترددة، لكي يشعروا الآخرين بأهميتهم.. وهذا من أسرار محبة الطلاب جميعاً لها..
قالت هذه المرة بجدية بالغة: "سيعود زياد إلى الجامعة رغم أنف من لا يريد ذلك".
هي لحظة نادرة من لحظات الحياة، لحظة ساحرة لا تقدر بثمن..
تصاعد صوت الزملاء في الأرجاء..كان المكان كله سعيداً بهذه الصيحات الرائعات.. فكم هو مشرق ذاك الشعورالنبيل المنثور بالحب والمشحون بالأمل.. شعور التآخي بين الأصدقاء الذي لا يثمر إلا خيراً.. وكم هو رائع فرحنا لفرح الآخرين، وعوننا لهم حتى يملأوا سلال الأحلام بغلال الواقع..


14 – القانون هو القانون.. ولكن!
كان زياد موقوفاً عن الدراسة لتغيبه عنها لمدة تزيد عن ثلاثة فصول متتالية دون أن يقدم عذراً.. والجامعة توقف قيد من يتغيب فصلين متتاليين دون عذر مقبول..وبسبب تغيبه تمَّت أحالة ملفه إلى لجنة لدراسته حالته، وتم إرسال رسالة تحذير من إدارة الجامعة على عنوان سكنه، وعندما لم تتلق أي رد منه تم وقف قيده، فلم يعد يحق له متابعة الدراسة من جديد.. وهذا كله كان بحسب ما يفرضه القانون الداخلي للجامعة.. لكن القانون ليس كل شيء.. هو جزء من حياة.. وعندما يتعارض القانون مع مصلحة الإنسان، يتم تغليب كفة الإنسان لأنه هو الأهم.. وهذا ما تفهمه العميدة وهذا ما ستسعى لتحقيقه.
العميدة ميشلين أرادت تجاوز كل القوانين، هي تريد أن تجعل من عودة زياد إلى مقاعد الدراسة قضية مصيرية بالنسبة لها.. تبنت هذه القضية بكل إيمان، ورفضت أن تثنيها أية معوقات عن الهدف الذي ستصب كل جهدها من أجل تحقيقه رغم العقبات.
حملت أوراقه وتوجهت مباشرة وبنفسها إلى رئيس الجامعة بعد أن طلبت موعداً مستعجلاً منه، فاستقبلها في اليوم نفسه، لأنه شعر أن في طلب العميدة أمراً شديد الخطورة..
وعندما التقته العميدة بادرت فوراً إلى شرح ما تريده، ثم تحدثت عن ظروف زياد الخاصة..
لكن رئيس الجامعة رفض طلب الدكتورة ميشلين: "ليس الأمر بهذه البساطة.. فالقانون هو القانون".
لم ترض الدكتورة ميشلين أن ترضخ لموقف رئيس الجامعة وأن تستسلم للقوانين التي لا تراعي ظروف الطلاب، فلكل طالب ظروفه الخاصة، ولا يمكن الحكم على جميع الحالات بمنظار واحد، وحتى لو كان ذلك قانوناً، فهو ليس مقدساً، ومصلحة الطالب هي أهم من القانون نفسه؛ لأن القانون وضع لخدمة الطالب، وعلى القانون أن يستشعر ظروف الطالب القاهرة، والتي قد لا تتناسق في بعض الأحيان مع بنود القانون، رغم أهميته، وحرص الدكتورة على تطبيقه بحذافيره.
فتحايلت العميدة على رئيس الجامعة، وراحت تبدي له الحجة تلو الحجة، لكنه لم يقبل بأخذ قرار منفرد..
وبعد أْنْ لاحظ إصرارها الشديد وتمسُّكها بطلبها حتى النهاية، اقترح عليها أن ترفع طلب استثناءإلى مجلس إدارة الجامعة متضمناً كتاباً تفصيلياً، تشرح فيه سبب الاستثناء الذي تطلبه، على أن تبدي فيه رأيها بضرورة عودة زياد إلى مقاعد الجامعة،تقديراًلظروفه الخاصة والدوافع التي تستوجب ذلك..واعداً إياهاً بأنه لن يتأخر لحظة واحدة عن التوقيعكرئيسللجامعة على قرار الاستثناء، وذلك بعد قيامها بإقناع مجلس الإدارة بصفتها عميدة وعضوة في المجلس الذي يعود له في النهاية الموافقة على طلبها أو رفضه..
أيام قليلة مرت..
وفي أوَّل اجتماع لمجلس الإدارة صدر قرار بعودة زيادة إلى الدراسة، ليس من الفصل المقبل، بل من الفصل الحالي الذي لم يكمل شهره الأول، لكن القرار اشترط على زياد أن لا يحصل في أي مادة على درجة أقل من جيد جداً في الفصل الحالي، وهو الفصل الذي يجب عليه أن يعاود الدراسة فيه..
غمَرت السَّعادة زياداً من جديد.. عادت إليه البهجة التي افتقدها شهوراً طويلة.
إلتأم عقد أصدقاء الدراسة ليحتفلوا بالمناسبة، رغم علمهم بأنَّ زياداً لن يتمكن من المتابعة معهم لأنهم سبقوه بفصول عدة.. لكنَّ الصداقة ليست صداقة محدودة بفصل أو قاعة دراسة.. الصداقة لا تعرف جدراناً ولا مراحل.. فهي عنوان المحبة المشحون بالفرح والإلفة والوفاء..

15– الدراسة والعمل
استعد زياد لمعاودة الدراسة.. لكنه يحتاج إلى رصيد مالي ليتمكن من تسديد رسوم الدراسة ومصاريفها، وكانت المفاجأة الثانية أنَّ الكلية أعفته من كامل الرسوم والمصاريف إكراماً لوالديه الطبيبين، كما ساعدته العميدة على العمل في مختبرات الكلية على أنْ يتم السماح له بحضور المحاضرات ويداوم بين المحاضرات وبعد الظهر أيضاً.. وبذلك اكتملت جميع الظروف التي تسمح لزياد بمتابعة دراسته بانتظام دون قلق على الحاضر والمستقبل.
الأيام الأولى كانت شديدة الصعوبة بسبب توقفه الطويل عن الدراسة، كما أنه لا يعرف زملاء الفصل الجديد، فزملاؤه القدامى أعلى منه الآن بعدة فصول، وعليه أن يبذل مجهوداً كبيراً ليتمكن من اللحاق بهم.
ما أصعب هذه الأيام التي يعود بها الإنسان باختياره إلى زمان كان من المفترض أنه انتهى من بعيد، فيجد الناس غير الناس، والمكان غير المكان، فيقع في مأزق لا خيارات كثيرة فيه، إمَّا التراجع والاستسلام، وإمَّا التحدي والصبر والكفاح.. لكن كما يبدو واضحاً للعيان؛ فإنَّ زياداً اختار الخيار الأخير، وقرر خوص غمار الصعاب بلا خوف أو وجل، فالتحدي القائم على الأمل يمنح صاحبه الكثير من الثقة والإصرار، والرغبة بتحقيق النصر وإنْ كثرت الصعاب.
أما الدراسة فكانت تمضي بانتظام، لكنه تأخر عن زملائه ثلاثة فصول كاملة، وهذا ما سيضطره لقضاء فترة أطول بالدراسة، لكنه قرر مضاعفة جهوده وزادة عدد المواد التي سيتسجل فيها، والدراسة أيضاً في الفصل الصيفي لكي يلحق بزملائه..
وكانت مكافأة العمل جيدة، هذا أول راتب كبير يحصل عليه في حياته، فقام بزيارة القاعة التي يوجد فيها زملاء فصله القديم، وأحضر معه طبقاً كبيراً من الحلوى المنوعة، ثم قصد مكتب العميدة ميشلين وقدم لها طبقاً مماثلاً..
وفي اليوم نفسه، ذهب زياد إلى العم خليل، وكان العم خليل يزوده بحاجياته الضرورية وببعض المال ويقول له: "كل هذا من خيرات أبيك وأمك"..
وقف زياد أمام العم خليل.. وكان يرتدي بذلة جميلة أنيقة.. زياد يملك الكثير من الملابس والأغراض الشخصية في بيته القديم، وقد أحضر له أبو سارة بعضاً منها، لأنَّه لم يقبل الدخول الشقة طوال الفترة الماضية.. وكان أبو سارة يطلب من العم خليل أن يسلم الملابس لزياد لأنه لا يزال غاضباً منه.. كان يرتدي أجمل تلك الملابس الفاخرة كانت تختارها له أمه من أفضل الماركات العالمية، وخصوصاً عندما كانت تقوم بالسفر مع أبيه إلى بعض البلاد، ومنها بشكل خاص فرنسا..
أخرج من جيبه الراتب كاملاً ثم قائل: "هذا ما حصلت عليه هذا الشهر، وما سأحصل عليه كل شهر إن شاء الله.. خذ المبلغ الذي تريده.. ففضلك علي كبير"..
لكن العم خليل رفض بإصرار أخذ قرش واحد.. وقال له إنه سيأخذ منه اعتباراً من الشهر المقبل، أمَّا الآن فهذا المال حلال عليه بالتمام والكمال.. فهناك أشياء كثيرة عليه شراؤها.. وسوف يبدأ بتسجيل الحساب عليه من الشهر الجديد.



16 – موقف سارة

قال له العم خليل بإعجاب: "جميل ما ترتديه اليوم يا زياد!"..
تذكَّر زياد بيته.. وتذكَّر أنَّه كان يسعد كلما ارتدى ثياباً جديدة عندما كان يلتقي بسارة..
ألقى ببصره على النافذة المطلة مباشرة على شرفة بيت سارة دون أن يتجرَّأ على النظر إلى الناحية الأخرى..أخذ نفساً عميقاً.. وطلب من العم خليل دون مقدمات وكأنه تذكر أمراً لا بد منه، طلب أن يقول لأبو سارة أنه يرغب بزيارته في بيته..
دهش العم خليل بهذا الطلب المفاجىء..
طوال الفترة التي أعقبت عودة زياد لم يطلب طلباً مماثلاً، كما أنه لم يلتق أبو سارة إلا مرة واحدة في الحديقة في يوم عودته. وكان أبو سارة أخبرالعم خليل بما حدث بينهما، وكذلك المحامي عصام.. ورغم تفهم أبو سارة لموقف زياد إلا أنه ما يزال يشعر بأنه لم يقدر ما فعل من أجله.
العم خليل كان سعيداً جداً بطلب زياد.. وقال:"عندما أرى أبو سارة سأخبره.. لا بد أن يمر بعد قليل.. فموعد عودته من العمل أصبحت قريبة".
لم يتأخر أبو سارة كثيراً.. وعندما وصل الحي بادره العم خليل بالحديث قائلاًإن زياداً يريد زيارته في بيته..
أبو سارة تفاجأ من هذا الطلب، وبدت آثار المفاجأة بكل وضوح على قسمات وجهه.. لكنه لم يصدر أي تصرف يثير الاهتمام.. هز برأسه موافقاً.. "لا بأس.. اليوم مساء أنا موجود في المنزل.. أهلا به ومرحباً.. سأنتظره عند الثامنة".
في البيت كان الموقف مختلفاً.. سارة سكنت طوال الفترة الماضية داخل غرفتها، دون أن تفتح نافذتها حتى لدخول الهواء، كانت تنزل الستائر على الدوام ولا تسمح للشمس بدخول الغرفة، كانت لا تريد أن ترى زياداً.. لم تعط نفسها فرصة واحدة، انتظرت قدومه كثيراً.. لكنه لم يحاول حتى الالتقاء بها..
"ماذا يريد اليوم.. لماذا يأتي! لا أريد أن يدخل بيتنا".
راح الأب يهدىء من روع ابنته.. "لا تغضبي يا حبيبتي، لقد وافقت على طلبه، لا أستطيع الآن أن أعتذر، أبلغت العم خليل بأنني سأنتظره الساعة الثامنة".
لم تستطع سارة كتم دمعات سقطت من عينيها..
قلبت شفتيها، ثم توجهت نحو غرفتها غاضبة وأغلقت الباب..
"في الحقيقة يا أم سارة أنا أريد أن أعرف ما يريد..
هل تظني أنه قد يتكلم على سارة، هل سيطلب يدها للزواج؟
هذه الفتاة المسكينة طال انتظارها له، كانت تتمناه زوجاً..
لكنه منذ عودته لم يحاول حتى أن يكلمها، وعندما عرضت عليه العودة الى بيته رفض لك، وكأنه لا يريد فتح أي حوار معي، كأنه يريد أن يغلق الماضي على كل ذكرياته"..




17 - في بيت سارة

عندما دقَّت السَّاعة الثامنة مساء.. كان زياد يقف خلف الباب وينظر إلى ساعته، وبعد أنْ تأكَّد من دخول وقت الموعد.. رن جرس الباب..
"ما شاء الله.. دقَّة في المواعيد.. يذكرني بأبيه، كان حريصاً جداً على مواعيده، وكنت متأكداً أنه سيصل في الموعد المناسب".
"توكل على الله يا أبو سارة.. اذهب وافتح له الباب.. قابله بهدوء ولا تعاتبه على شيء.. استمع إلى ما سيقوله إليك.. وعسى الله أن يجعل من بعد عسر يسرا".
قالت أم سارة ذلك.. وكانت تتمنى أنْ تنال ابنتها الزوج الذي تريده، بعد أنْ رفضتْ كلَّ الذين تقدموا إليها معلنة أنها لن تتزوج وستبقى عزباء طوال عمرها.
بيت سارة بسيط وعادي، فأبوها موظف بسيط، وزياد يعرف هذا البيت جيداً، ولطالما دخل إليه في سنوات الطفولة، ما أجمل أيام الطفولة ببراءتها ونبلها، ما أجمل تلك الأيام التي تخلو من هموم الحياة..
استقبله أبو سارة بترحاب شديد، كان يحمل في نفسه أملاً..
لمَّا جلس زياد على الكنبة كان يخالجه شعور غريب، هاهو اليوم يدخل بيت سارة، يتنسم الهواء الذيتتنفسه.. تلفه مشاعر الأمل بلقاء سارة بعد فراق طويل..
انتابته قشعريرة سرت في أنحاء بدنه وهو يهم بالجلوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://bahibakaktar.lovelyforum.net
سوبر مانجير
Admin
Admin
سوبر مانجير


ذكر
الجدي عدد الرسائل : 1065
المزاج : مبسوط
تاريخ التسجيل : 20/01/2009

رواية وجه القمر  ج2 والاخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية وجه القمر ج2 والاخير   رواية وجه القمر  ج2 والاخير Icon_minitimeالثلاثاء 09 أكتوبر 2012, 2:50 pm

thxxxxxx

very nice >>story
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://bahibakaktar.lovelyforum.net
 
رواية وجه القمر ج2 والاخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية وجه القمر ج1
» لكي تصبحين مثل القمر
» لماذا يعشق قلبي القمر ؟؟؟
» لماذا يعشق قلبي القمر
» موسيقى بيتهوفن الرائعة ضوء القمر moon light

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بحبك اكتر  :: الكتب والقصص والروايــات-
انتقل الى: